مشتهى الأجيال

455/684

التماس أُم

كان يوحنا بن زبدي أحد التلميذين الأولين اللذين قد تبعا المسيح . وكان هو وأخوه يعقوب من ضمن الفريق الأول الذي تركوا كل شيء في سبيل خدمته . وبكل سرور تركوا أوطانهم وأصدقاءهم ليكونوا معه . لقد ساروا وتحدثوا معه ، وكانوا معه في الخلوة في البيت وفي المجتمعات العامة . سكن مخاوفهم وأنقذهم من المخاطر وخفف آلامهم وعزاهم في أحزانهم . وبكل صبر ورقة علمهم حتى بدا كأن قلوبهم ارتبطت بقلبه ، وفي حرارة محبتهم تاقوا أن يكونوا أقرب المقربين إليه في ملكوته . وفي كل فرصة ممكنة كان يوحنا يأخذ مكانه إلى جوار المخلص . وكان يعقوب يتوق للتمتع بتلك الصلة وتلك الشركة نفسها مع يسوع. ML 513.1

وكانت أمهما تابعة للمسيح ، وبكل سخاء كانت تخدمه من أموالها . وإذ كانت امرأة محبة وطموحة من نحو ابنيها كانت تطمع في أكرم مكان لهما في ملكوته الجديد ، فشجعتهما على أن يطلبا ذلك منه. ML 513.2

وقد جاءت تلك الأم مع ابنيها إلى يسوع طالبة منه أن يمنحها الطلبة التي قد وضعا قلبيهما عليها. ML 513.3

فسألهما قائلاً: “ماذا تريدان أن أفعل لكما؟” (مرقس 10 : 36). فقالت الأم: “قل أن يجلس ابناي هذان واحد عن يمينك والآخر عن اليسار في ملكوتك” (متى 20 : 21). ML 513.4

احتملهم يسوع بكل رقة ولطف إذ لم يوبخ ذينك التلميذين على أنانيتهما في محاولة تفضيل نفسيهما على إخوتهما . إنه يقرأ مكنونات قلبيهما ويعرف عمق تعلقهما به . إن محبتهما له ليست مجرد عاطفة بشرية ، وإن تكن قد تلوثت بالمجرى الأرضي الذي جرت فيه فإنها نبع يجري من نهر محبته الفادية . إنه لن ينتهر أو يوبخ بل يصل إلى الاعماق ويطهر . فأجاب يسوع وقال لهما: “لستما تعلمان ما تطلبان. أتستطيعان أن تشربا الكأس التي سوف أشربها أنا، وأن تصطبغا بالصبغة التي أصطبغ بها أنا؟” (متى 20 : 22). لقد ذكرا كلامه العجيب عندما أشار إلى المحاكمة والآلام ، ومع ذلك فبكل ثقة يجيبان قائلين: “نستطيع” (متى 20 : 22). إنهما يحسبانه أعظم شرف أن يبرهنا على ولائهما له بأن يقاسما سيدهما في كل ما سيحل به. ML 513.5

فقال لهما: “أما كأسي فتشربانها، والصبغة التي أصطبغ بها أنا تصطبغان” (متى 20 : 23). كان ينتظره صليب لا عرش وسيعلقون عن يمينه وعن يساره مذنبين . وكان على يعقوب ويوحنا أن يشاطرا سيدهما آلامه . وكان أكبر ذينك الأخوين (يعقوب) مزمعاً أن يموت قتلا بالسيف ، أما الآخر فكان سيقاسي آلام الكدح والعار والاضطهاد مدة أطول من جميعهم ثم استطرد يسوع فقال: “أما الجلوس عن يميني وعن يساري فليس لي أن أعطيه إلا للذين أعدّ لهم من أبي” (متى 20 : 23). في ملكوت الله لا يمنح المركز الرفيع بالمحسوبية أو المحاباة ولا ينال باستحقاق الإنسان ولا يعطى كمنحة تعسفية ولكنه نتيجة للخلق . إن الإكليل والعرش هما علامة لبلوغ الإنسان حالة خاصة وإتمامه بعض الشروط. وهما علامة على قهر الذات بقوة ربنا يسوع المسيح. ML 513.6