مشتهى الأجيال
إنسان واحد يجب أن يموت
في هذا المجمع الذي اجتمع اعضاؤه لإعداد خطة لاهلاك المسيح ، كان حاضرا الشاهد الذي كان قد سمع تشدق نبوخذنصر ، والذي شاهد الوليمة الوثنية التي أقامها بيلشاصر ، والذي كان حاضرا عندما أعلن المسيح في الناصرة أنه مسيا . كان هذا الشاهد يؤثر على الرؤساء بالعمل الذي كانوا يعملونه . فلقد مرت أمام أذهانهم حوادث في حياة المسيح بوضوح مفزع لهم . ذكروا المشهد الذي كان في الهيكل عندما وقف يسوع في صباه وهو في الثانية عشرة من عمره أمام أولئك المعلمين المتجرين بالعلم والذين كانوا حجة في الناموس وجعل يسألهم أسئلة أذهلتهم . والمعجزة التي قد أجراها حديثا برهنت بما لا يحتمل الشك على أنه لابد أن يكون هو ابن الله ، كما برقت في أذهانهم أقوال أسفار العهد القديم في دلالتها الحقيقية وعلاقتها بالمسيح . إن الرؤساء في حيرتهم وضيقهم وارتباكهم سألوا قائلين: “ماذا نصنع؟” (يوحنا 11 : 47). فحدث انشقاق في المجمع . وتحت تأثير الروح القدس لم يستطع الكهنة ولا الرؤساء طرد الاقتناع بأنهم إنما يحاربون الله. ML 508.2
وإذ كان المجمع في أقصى حالات حيرته وارتباكه وقف قيافا رئيس الكهنة ، وكان رجلا متكبرا وقاسيا ومتصلفا ومتعصبا . وقد كان بين أفراد أسرته صدوقيون متكبرون حسودون متهورون امتلأت قلوبهم بالطموح والقسوة ، وكانوا يخفون ذلك كله تحت رداء البر الذاتي المصطنع . كان قيافا قد درس النبوات ومع جهله بمعناها الحقيقي فقد تكلم بسلطان ويقين عظيمين قائلا: “أنتم لستم تعرفون شيئاً، ولا تفكرون أنه خير لنا أنا يموت إنسان واحد عن الشعب ولا تهلك الأمة كلها!” (يوحنا 11 : 49، 50). قال رئيس الكهنة إنه حتى لو كان يسوع بريئا فلا بد من إزاحته من الطرق ، فهو مزعج لنا إذ أنه يجتذب الناس إلى شخصه ويقلل من سلطة الرؤساء . وهو فرد ، وخير لنا أن يموت من أن يضعف سلطة الرؤساء . فإذا ضاعت ثقة الشعب برؤسائهم فلابد من أن يتلاشى سلطان الأمة . ثم قال قيافا إنه بعد إجراء هذه المعجزة من المرجح أن يقوم اتباع يسوع بثورة وسيأتي الرومان ويغلقون أبواب الهيكل ويبطلون شرائعنا ويهلكوننا كأمة . فكم تساوي حياة هذا الجليلي بالنسبة إلى حياة الأمة . وإن كان وجوده عائقا لرفاهية بني إسرائيل ، ألسنا إذا بمقدمين خدمة لله باستئصاله من الوجود ؟ خير لنا أن يموت إنسان واحد عن الشعب ولا تهلك الأمة كلها. ML 508.3
إن قيافا إذ أعلن أنه ينبغي أن يموت إنسان واحد عن الشعب برهن على أن له بعض الإلمام بالنبوات وإن تكن معرفته محدودة جدا . ولكن يوحنا إذ يصف ذلك المشهد يأخذ النبوة مبينا معناها الواسع العميق ، فيقول ، “وليس عن الأمة فقط، بل ليجمع أبناء الله المتفرقين إلى واحد” (يوحنا 11 : 52). بأية غباوة يعترف قيافا المتعجرف بمهمة المخلص ! ML 509.1
إن هذا الحق الثمين جدا الذي نطق به قيافا استحال إلى أكذوبة . فالسياسة التي دافع عنها كانت تستند على مبدإ مستعار من الوثنية ، إذ أن إحساس الوثنيين الغامض بأنه ينبغي أن يموت إنسان واحد عن الجنس البشري قادهم إلى تقديم الذبائح البشرية . وهكذا اقترح قيافا أن تخلص الأمة المذنبة بالتضحية بيسوع ، ليس من خطاياهم بل وهم في خطاياهم لكي يداوموا على ارتكاب الخطية . وبهذه المحاجة ظن أنه يمكنه أن يسكت احتجاجات أولئك الذين قد يتجرأون على القول بأنه إلى الآن لم يوجد في يسوع ما يستوجب إماتته. ML 509.2