مشتهى الأجيال
واهب الحياة
ها المسيح يقف هادئا أمام القبر ، وها الخشوع المقدس يسود على الجميع . وبعدما يقترب المسيح من القبر يرفع عينيه نحو السماء ويقول: “أيها الآب، أشكرك لأنك سمعت لي” (يوحنا 11 : 41). كان أعداء المسيح قد اتهموه منذ عهد قريب بالتجديف ورفعوا حجارة ليرجموه لأنه قال عن نفسه أنه ابن الله . واتهموه أيضا بأنه يصنع المعجزات بقوة الشيطان . ولكن ها هو المسيح الآن يدعي بأن الله أبوه ، وبثقة كاملة يعلن أنه ابن الله. ML 504.3
إن المسيح كان متعاونا مع أبيه في كل عمل عمله . وكان حريصا دائما على أن يبرهن على أنه لا يعمل مستقلا . وقد أجرى معجزاته مستندا على قوة الإيمان والصلاة . كان المسيح يرغب في أن يعرف الجميع صلته بأبيه ، فصلى قائلا: “أيها الآب، أشكرك لأنك سمعت لي، وأنا علمت أنك في كل حين تسمع لي. ولكن لأجل هذا الجمع الواقف قلت، ليؤمنوا أنك أرسلتني” (يوحنا 11 : 41 و 42). وهنا قدم للتلاميذ وللشعب أقطع برهان فيما يختص بالعلاقة الكائنة بين المسيح والله . وكان سيتضح لهم أن دعوى المسيح لم تكن خداعا ولا تضليلا. ML 504.4
“ولما قال هذا صرخ بصوت عظيم: “لعازر، هلمّ خارجاً!” (يوحنا 11 : 43). إن صوته الواضح النافذ يخترق إذني الميت . وإذ يتكلم تتجلى الألوهية متألقة في البشرية . فرأى الناس في وجهه الذي تجلى عليه مجد الله ، اليقين على قدرته العظيمة . ثم اتجهت كل العيون نحو باب القبر وأضاء الجميع بأسماعهم إلى أخف صوت . وباهتمام وتوتر عظيم ينتظر الناس كلهم نتيجة امتحان ألوهية المسيح والبرهان الذي يدعم بالحجة القاطعة دعواه على أنه ابن الله ، أو يخمد الرجاء إلى الأبد. ML 504.5
فحدثت حركة في القبر الساكن ، وذاك الذي كان ميتا رؤي واقفا في باب القبر . ولكن الأكفان التي كان ملفوفا بها عاقته عن الحركة . فقال المسيح لأولئك المشاهدين الذاهلين: “حلّوه ودعوه يذهب” (يوحنا 11 : 44). ومرة أخرى أراهم أن العامل البشري يجب أن يكون عاملا ومتعاونا مع الله . فعلى الناس أن يخدموا بنى جنسهم . وها هو لعازر بعدما تخلص من أكفانه يقف أمام ذلك الجمع ليس كرجل مضنى أو مريض ، ولا يبدو أن أعضاء جسمه واهنة أو مترنحة بل يقف كرجل في ملء الصحة وعنفوان الشباب ونشاط الرجولة الكريمة النبيلة ، ومن عينيه تشع أنوار الذكاء ، وفي حب غامر لمخلصه يخر أمامه بخشوع ساجدا عند قدميه. ML 505.1
أما الجموع فقد أبكمتهم الدهشة في بادئ الأمر ، وبعد ذلك تعالت أصوات الفرح والشكر الذي لا يمكن التعبير عنه . وقد تقبلت الأختان أخاهما بعد قيامته على أنه عطية الله لهما . وبدموع الفرح عبرتا عن شكرهما للسيد بكل تواضع . ولكن فيما كان الأخ وأختاه وأصدقاؤهم فرحون باجتماع شملهم ثانية انسحب يسوع بعيدا عن ذلك المشهد . وإذ كانوا يبحثون عن مانح الحياة لم يجدوه. ML 505.2