مشتهى الأجيال
دروس من حياة إبراهيم
وقد استطرد يسوع فأورد مباينة لاذعة بين مركز اليهود ومركز إبراهيم فقال لهم: “أبوكم إبراهيم تهلّل بأن يرى يومي فرأى وفرح” (يوحنا 8 : 56). ML 444.2
لقد تاق إبراهيم لرؤية المخلص الموعود به فقدم صلاة غاية في الحرارة حتى يرى مسيا قبل موته . فرأى المسيح . لقد أُعطي له نور فائق الطبيعة فاعترف بألوهية المسيح .لقد رأى يومه وفرح ، كما أعطيت له فكرة عن كفارة الله عن الخطية . وبالنسبة إلى هذه الذبيحة كان له مثال من واقع اختباره . لقد جاءه أمر من الله يقول له: “خذ ابنك وحيدك، الذي تحبه، إسحاق. وأصعده هناك محرقة على أحد الجبال الذي أقول لك” (تكوين 22 : 2). فعلى مذبح المحرقة قدم ابن الموعد الذي فيه تركزت كل آماله وانتظاراته . وإذ كان واقفا منتظرا أمام المذبح وقد رفع السكين بيده ليذبح ابنه إطاعة لأمر الله سمع صوتا من السماء قائلا له: “لا تمد يدك إلى الغلام ولا تفعل به شيئاً، لأني الآن علمت أنك خائف الله، فلم تمسك ابنك وحيدك عني” (تكوين 22 : 12). فهذه التجربة الهائلة جرب بها إبراهيم حتى يرى يوم المسيح ، ويتحقق من محبة الله الفائقة للعالم ، محبة بل غت درجة بذل ابنه الوحيد ليقاسي موتا مشينا وذلك من أجل رفع العالم من الانحطاط. ML 444.3
تعلم إبراهيم من الله أعظم درس يمكن أن يتعلمه إنسان . وقد أجيبت صلاته التي طلب فيها أن يرى المسيح . فلقد رأى المسيح ، رأى كل ما يمكن أن تراه عين إنسان ويعيش .فإذ خضع لله خضوعا كاملا أمكنه أن يفهم رؤيا المسيح التي أعطيت له . لقد أراه الله أنه في بذله أبنه الوحيد ليخلص الخطاة من الهلاك الأبدي أقدم على تضحية أعظم وأعجب من كل ما يمكن أن يقدم عليه أي إنسان. ML 444.4
لقد جاء اختبار إبراهيم جوابا على هذا السؤال: “بم أتقدّم إلى الرب وأنحني للإله العلي؟ هل أتقدّم بمحرقات، بعجول أبناء سنة؟ هل يسر الرب بألوف الكباش، بربوات أنهار زيت؟ هل أعطي بكري عن معصيتي، ثمرة جسدي عن خطية نفسي؟” (ميخا 6 : 6، 7). في كلام إبراهيم عندما قال لابنه: “الله يرى له الخروف للمحرقة يا ابني” (تكوين 22 : 8)، وفي تدبير الله للذبيحة عوضا عن اسحق أعلن أنه لا يمكن لإنسان أن يقدم كفارة عن نفسه . إن نظام الذبائح عند الأمم لم يكن مقبولا لدى الله ، ولم يكن لأي إنسان أن يقدم ابنه أو ابنته ذبيحة خطية . ولكن ابن الله وحده هو الذي يستطيع أن يحمل خطية العالم. ML 445.1
استطاع إبراهيم عن طريق آلامه أن يرى مهمة المخلص المضحية ، ولكن إسرائيل لم يفهموا ما كانت تنفر منه قلوبهم المتكبرة . إن كلام المسيح عن إبراهيم لم يكن له معنى عميق في نظر سامعيه ، ولم ير الفريسيون فيه إلا أساسا جديدا للمماحكة ، فجاوبوه في سخرية وكأنهم يبرهنون على أن يسوع إنسان مجنون قائلين: “ليس لك خمسون سنة بعد، أفرأيت إبراهيم؟” (يوحنا 8 : 85). ML 445.2
فبعظمة وجلال مقدس أجابهم يسوع قائلا: “الحق الحق أقول لكم: قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن” (يوحنا 8 : 58). ML 445.3
استولى الصمت على ذلك الجمع الغفير . فها هو المعلم الجليلي يطلق على نفسه اسم الله المعطى لموسى للتعبير عن فكرة وجود الله السرمدي ، وها هو يعلن عن نفسه أنه الإله القيوم والموعود به لإسرائيل الذي “مخارجه منذ القديم، منذ أيام الأزل” (ميخا 5 : 2). ML 445.4
ومرة أخرى صاح الكهنة والمعلمون ضد يسوع كمن يجدف . إن ادعاءه السابق أنه واحد مع الله كان قد أثارهم حتى حاولوا أن يقضوا عليه بالموت ، وبعد ذلك بأشهر قليلة قالوا له بصراحة: “لسنا نرجمك لأجل عمل حسن، بل لأجل تجديف، فإنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهاً” (يوحنا 10 : 33). فلأنه كان ابن الله وجاهر بذلك صمموا على إهلاكه . وقد انحاز كثيرون من الشعب إلى الكهنة والمعلمين ورفعوا حجارة ليرجموه . “أنا يسوع فاختفى وخرج من الهيكل مجتازاً في وسطهم ومضى هكذا” (يوحنا 8 : 59). ML 445.5
كان النور يضيء في الظلمة ، “والظلمة لم تدركه” (يوحنا 1 : 5). ML 446.1