مشتهى الأجيال
“حبة خردل”
كان التلاميذ التسعة لا يزالون مستغرقين يفكرون في حقيقة فشلهم المرير . فلما عاد يسوع ليجتمع بهم وحدهم سألوه: “لماذا لم نقدر نحن أن نخرجه؟ فقال لهم يسوع: “لعدم إيمانكم. فالحق أقول لكم: لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل: انتقل من هنا إلى هناك فينتقل، ولا يكون شيء غير ممكن لديكم. وأما هذا الجنس فلا يخرج إلا بالصلاة والصوم” (متى 17 : 19 — 21). إن عدم إيمانهم الذي حال بينهم وبين العطف على المسيح والتجاوب معه ، وعدم الاكتراث الذي به قابلوا العمل المقدس المسند إليهم كان هو السبب في هزيمتهم عندما اشتبكوا في صراع مع قوات الظلمة. ML 407.2
إن كلام المسيح الذي نطق به مشيرا إلى موته جلب على التلاميذ الأحزان والشكوك .وإن اختيار المسيح للتلاميذ الثلاثة ليصحبوه في الصعود إلى الجبل أثار حسد التسعة الباقين . وبدلا من تقوية إيمانهم بالصلاة والتأمل في كلام المسيح جعلوا يتأملون في المفشلات والظلم الواقع عليهم . فإذ كانوا في هذه الحالة النفسية المظلمة الكريهة شرعوا في النضال مع الشيطان. ML 407.3
فلكي ينتصروا في ذلك الصراع كان ينبغي لهم أن يقبلوا على هذا العمل بروح المسيح التي تخالف روحهم هذه . كان ينبغي أن يتقوى إيمانهم بالصلاة الحارة والصوم واتضاع القلب . كان ينبغي لهم أن يتخلصوا من الأنانية ويمتلئوا بروح المسيح وقوته . فالتضرع إلى الله بغيرة ومواظبة وإيمان- ذلك الإيمان الذي يقود إلى الاعتماد الكامل على الله وتكريس النفس لعمله في غير تحفظ- هذا وحده هو الذي يضمن للناس معونة الروح القدس في حربهم مع الرياسات والسلاطين ومع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشر الروحية في السماويات. ML 407.4
قال يسوع: “لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل: “انتقل من هنا إلى هناك فينتقل”. ومع أن حبة الخردل صغيرة جدا فإنها تحتوي على مبدأ الحياة السري الذي به تنمو أعلى الأشجار . وعندما تلقى حبة الخردل في الأرض فإن البذرة الصغيرة تمسك بكل عنصر أعده الله لتغذيتها . وسرعان ما تنمو حتى تصير شجرة عظيمة . فإن كان عندك مثل هذا الإيمان فأنت تتمسك بكلمة الله وبكل العوامل المرجوة التي عينها. وهكذا يتقوى إيمانك ويأتيك بقوة السماء لمعونتك . وكل العوامل التي كومها الشيطان في طريقك مع أنه يبدو أنها مما لا يمكن تخطيه كالجبال الدهرية ستختفي أمام الإيمان “ولا يكون شيء غير ممكن لديكم” (متى 17 : 20). ML 408.1