مشتهى الأجيال

342/684

العمل لأجل الآخرين

هذه هي المعجزة الوحيدة التي أجراها يسوع في هذه الرحلة ، فلكي يتمم ذلك العمل ذهب إلى تخوم صور وصيداء. لقد أراد أن يغيث تلك الأم المعذبة القلب ، وفي نفس الوقت يقدم مثالا في عمل الرحمة لامرأة من شعب محتقر لكي يعلم تلاميذه ويتمثلوا به عندما ينطلق إلى السماء ويتركهم . لقد أراد أن يخرجهم من عزلتهم اليهودية حتى يهتموا بالعمل لخير الشعوب الأخرى فضلا عن شعبهم. ML 378.1

تاقت نفس يسوع لكشف الستار عن أسرار الحق العميقة التي ظلت مستورة عن العيون والأذهان أجيالا طويلة ، فللأمم الحق في أن يكونوا مع اليهود ورثة ويحصلون على “نوال موعده في المسيح بالإنجيل” (أفسس 3 : 6). كان التلاميذ متباطئين في فهم هذا الحق ، فقدم لهم معلمهم الإلهي درسا بعد آخر . وإذ كافأ إيمان قائد المئة في كفرناحوم وكرز بالإنجيل لأهل مدينة سوخار سبق فقدم البرهان على أنه لا يشارك اليهود في تعصبهم . ولكن السامريين كانت عندهم بعض المعرفة عن الله ، وقائد المئة أبدى شفقة وعطفا على شعب إسرائيل . وها المسيح الآن يقدم لتلاميذه امرأة كنعانية كانوا يعتبرون أنه لا يوجد سبب لأجله تنتظر من السيد إحسانا دون باقي شعبها ، فقدم لهم مثالا لما يجب أن يعامل به أمثال تلك المرأة . كان التلاميذ يظنون أن يسوع يغدق هبات نعمته بسخاء أكثر مما يجب . ولكنه أراهم أنه ينبغي ألا يقصر محبته على جنس واحد أو أمة واحدة. ML 378.2

عندما قال: “لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة” كان يقرر الحق. وفي عمله الذي عمله مع تلك المرأة الكنعانية كان يتمم مأموريته ورسالته . فلقد كانت هذه المرأة شاة ضالة وكان يجب على بني إسرائيل أن يخلصوها و يستردوها . كان المسيح يقوم بهذا العمل الذي كان منوطا بهم ولكنهم كانوا قد أهملوه. ML 378.3

فتح هذا العمل أذهان التلاميذ بدرجة أكثر جلاء لاكتشاف العمل الذي كان عليهم أن يقوموا به بين الأمم ، فوجدوا حقلا متسعا للخدمة والعمل النافع خارج حدود اليهودية .كما أنهم رأوا نفوسا ترزح تحت أثقال أحزان لم يكن يعرفها غيرهم من المحظوظين المنعم عليهم. كذلك كان يوجد بين أولئك الذين كانوا قد تعلموا أن يحتقروهم نفوس تتوق إلى المعونة والشفاء من الشافي المقتدر ، وكانوا جياعا إلى نور الحق الذي قد أغدق على اليهود بكل سخاء. ML 379.1

وبعد ذلك عندما انصرف اليهود عن التلاميذ بكل عناد لأنهم أعلنوا أن يسوع هو مخلص العالم ، وعندما نقض حائط السياج الكائن بين اليهود والأمم وانشق حجاب الهيكل من فوق إلى أسفل عند موت المسيح ، فإن هذا الدرس وغيره من الدروس التي تشير إلى عمل الإنجيل الذي لا ينحصر في قوميات خاصة كان له تأثير قوي في نواب المسيح ، في توجيههم في عملهم وخدماتهم. ML 379.2