مشتهى الأجيال

337/684

وصايا الناس

لم يحاول يسوع أن يدافع عن نفسه أو عن تلاميذه. ولم يشر إلى التهم الموجهة إليه بل تقدم ليكشف عن الروح التي دفعت أولئك المتعصبين للدفاع عن الطقوس البشرية ، فقدم لهم مثالا لما كانوا يحملونه باستمرار وما قد عملوه قبيل مجيئهم إليه . فقال: “حسناً! رفضتم وصية الله لتحفظوا تقليدكم! لأن موسى قال: أكرم أباك وأمك، ومن يشتم أباً أو أما فليمت موتاً. وأنا أنتم فتقولون: إن قال إنسان لأبيه أو أمه: قربان، أي هدية، هو الذي تنتفع به مني فلا تدعونه في ما بعد يفعل شيئاً لأبيه أو لأمه” (مرقس 7 : 9 — 12). لقد ألقوا بالوصية الخامسة عرض الحائط كأن لا قيمة لها ، ولكنهم كانوا حريصين أشد الحرص على حفظ تقاليد الشيوخ. لقد علموا الشعب أن تكريس أموالهم للهيكل هو واجب أكثر قدسية من إعالة والديهم ، وأنه مهما كانت حاجة الوالدين فإن تقديم أي جزء للأب أو الأم مما قد كرسوه للهيكل كان يعتبر تدنيسا للأقداس . وما كان على الابن العاصي ألا يطق فقط بكلمة “قربان” على أملاكه مكرسا ما يملك لله ، وكان له أن يبقيها لينتفع بها لنفسه مدى الحياة ، وبعد موته كانت تخصص لخدمة الهيكل . وهكذا كانت له الحرية في الحياة وبعد الموت لأن يهين أبويه ويغدر بهما تحت ستار تصنع التكريس لله. ML 371.4

إن يسوع لم يقلل قط ، سواء بالقول أو العمل ، من التزام الإنسان بأن يقدم عطاياه وتقدماته لله. إن المسيح هو الذي أعطى كل وصايا الناموس الخاصة بالعشور والتقدمات . وعندما كان على الأرض مدح الأرملة التي قدمت كل ما كانت تملكه لخزانة الهيكل . ولكن الغيرة الظاهرية لله التي أبداها الكهنة والمعلمون كانت ادعاء منهم لستر رغبتهم في تمجيد أنفسهم . وقد خدعوا الشعب فحملوهم أحمالا لم يفرضها الله عليهم . بل حتى تلاميذ المسيح أنفسهم لم يكونوا أحرارا تماما من النير الذي وضعه على أعناقهم التعصب الممقوت وسلطة معلمي الشعب . والآن إذ كشف يسوع عن حقيقة روح أولئك المعلمين. حاول أن يحرر من عبء التقليد كل من كانوا راغبين رغبة صادقة في خدمة الله وعبادته. ML 372.1

ثم قال ، موجها كلامه إلى أولئك الجواسيس المحتالين: “يا مراؤون! حسناً تنبأ عنكم إشعياء قائلاً: يقترب إليّ هذا الشعب بفمه، ويكرمني بشفتيه، وأما قلبه فمبتعد عني بعيداً. وباطلاً يعبدونني وهم يعلّمون تعاليم هي وصايا الناس” (متى 15 : 7 - 9). لقد كان كلام المسيح انتقاضا لكل النظام الفريسي . وقد أعلن أن أولئك المعلمين إذ جعلوا تعاليمهم فوق وصايا الله وشريعته فقد وضعوا أنفسهم في مركز أعلى من مركز الله. ML 372.2