مشتهى الأجيال

263/684

فصلوا أنفسهم عن الله

قبيل ذلك بوقت شفي يسوع مرة ثانية إنسانا به شيطان وكان الرجل أعمى وأخرس. فعاد الفريسيون إلى اتهامهم القديم له قائلين: “برئيس الشياطين يخرج الشياطين!” (متى 9 : 34). فأخبرهم المسيح بكل صراحة أنهم إذ نسبوا عمل الروح القدس إلى الشيطان كانوا يبعدون أنفسهم عن نبع البركة . إن من قد تكلموا ضد يسوع نفسه لكونهم لم يفهموا صفته الإلهية كان يمكنهم الحصول على الغفران إذ كان يمكنهم بمساعدة الروح القدس أن يكتشفوا خطأهم ويتوبوا عنه ، حيث مهما كانت جسامة الخطية فإذا تابت النفس وآمنت فإن الذنب يمحى في دم المسيح. أما من يرفض عمل الروح القدس فإنه يضع نفسه في وضع يستحيل فيه وصول التوبة والإيمان إليه . إن الله يعمل في القلب بواسطة الروح القدس ، فمتى رفض الناس الروح القدس في إصرار معلنين أنه من الشيطان فإنهم يقطعون القناة التي يمكن بواسطتها أن يتصل الله بهم . فمتى رفضت النفس روح الله نهائيا فلا يوجد بعد عمل يعمله الله لأجلها. ML 298.3

إن الفريسيين الذين وجه يسوع إليهم هذا الإنذار لم يكونوا في دخيلة أنفسهم مقتنعين بصحة التهمة التي قد وجهوها إليه. ولم يكن بين كل أولئك الرؤساء أحد لم يشعر بجاذبية في المخلص تجذبه إليه . لقد سمعوا صوت الروح القدس يرن في قلوبهم معلنا لهم أنه المسيح وملحا عليهم في الاعتراف بأنهم تلاميذه . إنهم قد تحققوا في نور حضرته من نجاستهم واشتاقوا للحصول على بر ليس من صنعهم . ولكن بعدما رفضوه فسيكون أمرا في منتهى الإذلال لهم أن يقبلوه كمسيا . وإذ بدأوا يسيرون في طريق عدم الإيمان منعتهم كبرياؤهم من الاعتراف بخطئهم . ولكي يتحاشوا الاعتراف بالصدق حاولوا بعنف يائس أن يجادلوا في تعاليم المخلص ، فأسخطهم برهان قدرته ورحمته . إنهم لم يستطيعوا أن يكفوا يد المخلص عن إجراء المعجزات ولا أن يسكتوه عن إلقاء تعاليمه . ولكنهم بذلوا كل ما في طوقهم من خبث ليصوروه أسوأ تصوير ويكذبوا أقواله . ومع ذلك فقد ظل روح الله يلاحقهم مبكتا إياهم . ولكنهم حاولوا إقامة حواجز كثيرة وهائلة ليصدوه ويصدوا قوته عن ملاحقتهم . إن أقوى عامل يمكن أن يؤثر في القلب البشري كان يجاهد معهم ولكنهم أبوا الخضوع. ML 299.1

إن الله ليس هو الذي يعمي عيون الناس ولا هو الذي يقسي قلوبهم. ولكنه يرسل نوره لإصلاح أخطائهم وإرشادهم في طريق الأمان . لكن العيون تعمى والقلب يتقسى عندما يرفض الإنسان النور . في غالب الأحيان تكون العملية تدريجية بحيث لا تكاد تدرك . إن النور يجيء إلى النفس بواسطة كلمة الله أو بواسطة خدامه أو بأية واسطة مباشرة من وسائط روحه . ولكن عندما يستخف الإنسان بشعاعه واحدة من النور يحدث شلل جزئي في قوة إدراكه الروحي . وعندما يجيء النور في المرة الثانية فلن يكون واضحا كما أول مرة . ثم تتجمع الظلمة حتى في النهاية تعيش النفس في ليل ظلام دامس . هكذا كانت الحال مع أولئك الرؤساء اليهود . فلقد كانوا مقتنعين بأن ML 299.2

قوة إلهية ترافق المسيح ولكن في سبيل مقاومتهم للحق نسبوا عمل الروح القدس إلى الشيطان. فإذ فعلوا ذلك اختاروا الخداع تعمدا . لقد أسلموا أنفسهم للشيطان ومنذ ذلك الحين تسلط عليهم بقوته. ML 300.1