مشتهى الأجيال
الشهرة نقيض الخدمة
وفي الصباح باكرا أتى بطرس ورفاقه إلى يسوع قائلين له إن شعب كفرناحوم قد جاءوا يطلبونه. لقد كان التلاميذ قبل ذلك يحسون بخيبة أمل مريرة من سوء استقبال الناس للمسيح . فلقد حاولت السلطات في أورشليم أن تقتله ، بل حتى مواطنوه الذين عاش بينهم حاولوا القضاء عليه بالموت . أما في كفرناحوم فقد استقبلوه بحماسة وفرح فاضطرمت نار الرجاء في قلوب التلاميذ من جديد ، إذ قد يكون بين أهل الجليل محبي الحرية ، من يهبون لمعاضدة هذا الملكوت الجديد . ولكن تلاميذه ذهلوا حينما سمعوه يقول: “لنذهب إلى القرى المجاورة لأكرز هناكك أيضاً، لأني لهذا خرجت” (مرقس 1 : 38). ML 234.2
ففي الثورة التي شملت مدينة كفرناحوم كان يخشى لئلا يختفي غرض رسالته ويغيب عن الأنظار. لم يكن يسوع قانعا باجتذاب الأنظار إلى شخصه على أنه مجرد إنسان يصنع المعجزات ويشفي أمراض الجسد ، ولكنه كان يقصد أن يجتذبهم إلى نفسه كالمخلص . ففي حين كان الناس يتوقون إلى الإيمان بأنه قد أتى كملك ليقيم ملكوتا أرضيا كان هو يتوق إلى تحويل عقولهم وصرفها عن الأرضيات إلى الروحيات . فقد كان يمكن أن مجرد النجاح المادي الصرف يعطل عمله . ML 234.3
وقد أثرت في روحه دهشة الشعب العديم الاكتراث. فلم تمتزج بحياته أية غطرسة . إن ابن الإنسان لم يكن يقدم ولاءه للمركز أو الثروة أو العبقرية كما يفعل العالم ، ولم يستخدم يسوع الوسائل التي يستخدمها الناس للظفر بإكرام الشعب وولائه . فقبل ميلاده بقرون عديدة تنبأ عنه النبى قائلا: “لا يصيح ولا يرفع ولا يسمع في الشارع صوته. قصبة مرضوضة لا يقصف، وفتيلة خامدة لا يطفئ. إلى الأمان يخرج الحق. لا يكل ولا ينكسر حتى يضع الحق في الأرض” (إشعياء 42 : 2 — 4). ML 234.4
فقد طلب الفريسيون الشهرة والعظمة عن طريق التدقيق في حفظ الطقوس في عبادتهم وتقديم صدقاتهم ، وبرهنوا على غيرتهم على الديانة بجعلها موضوعا للجدل ، فثارت المنازعات وعلت الأصوات في الجدل بين الأحزاب المختلفة. وقد كان أمرا عاديا أن يسمع الإنسان في الشوارع المشادات الكلامية الغاضبة بين كبار معلمي الناموس. ولكن حياة يسوع كانت تختلف اختلافا بينا عن كل هذا . ففي حياته لم تكن تسمع مجادلات صاخبة ولا عبارة متفاخرة ، ولا عمل عملا لينال به استحسان الناس . لقد كان المسيح مستترا في الله فأُعلن الله وأُظهر في صفات ابنه . وقد رغب المسيح في أن تتجه عقول الشعب إلى هذا الإعلان وأن يقدموا له ولاءهم. ML 235.1
إن شمس البر (يسوع) لم يشرق على العالم في كمال طهارته ليبهر الأنظار بمجده. بل جاء عن المسيح: “خروجه يقين كالفجر” (هوشع 6 : 3). فنور النهار يشرق على الأرض بكل هدوء ولطف مبدداً الظلمات وموقظاً العالم إلى الحياة. وهكذا: “تشرق شمس البر والشفاء في أجنحتها” (ملاخي 4 : 2). ML 235.2