مشتهى الأجيال
شعبه يرفضه
إن يسوع حين قرأ وهو في المجمع من النبوة لم يكمل قراءة كل ما ورد فيها عن عمل مسيا. فبعدما قرأ القول “وأكرز بسنة الرب المقبولة” ترك العبارة القائلة: “وبيوم انتقام لإلهنا” (إشعياء 61 : 2). إن هذا كان حقاً كما كان باقي النبوة ، ويسوع بصمته لم ينكر الحق . ومن هذه العبارة الأخيرة هي ما كان سامعوه يرغبون في الوقوف أمامها طويلاً وكانوا يرغبون في إتمامها . لقد حكموا بالدينونة على الأمم الوثنيين ، ولكنهم لم يكونوا يدركون أن جريمتهم أعظم وأرهب من جرائم أعدائهم . لقد كانوا هم أنفسهم في أشد حاجة إلى الرحمة التي كانوا يتوقون إلى حرمان الوثنيين منها . إن ذلك اليوم الذي فيه وقف يسوع أمامهم في المجمع كان فرصتهم لقبول دعوة السماء ، وذاك الذي “يسر بالرأفة” (ميخا 7 : 17) كان يرغب كل الرغبة في تخليصهم من الهلاك الذي كانت خطاياهم تستحقه. ML 214.3
لم يكن يريد أن ينفض يديه منهم ويسلمهم للدينونة قبلما يقدم لهم وعود أخرى للتوبة .فقبل انتهاء خدمته في الجليل زار مرة أخرى البيت الذي قضى فيه أيام حداثته. فمنذ رفضوه هناك ذاعت شهرة تعاليمه ومعجزاته في كل البلاد . فلم يعد أحد ينكر الآن أنه مزود بقوة تفوق قوة البشر. وقد عرف سكان الناصرة أنه جال يصنع خيراً ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس . فكانت حولهم قرى بأكملها لم تكن تسمع من أحد سكانها صرخة أو آهة بسبب أي مرض لأنه قد مر بينهم وشفى كل مرضاهم . وأن الرحمة التي قد أعلنت في كل عمل من أعمال حياته شهدت لمسحته الإلهية. ML 214.4
وإذ سمع أهل الناصرة كلامه مرة أخرى تأثروا بقوة روح الله. ولكنهم حتى في هذه المرة رفضوا التسليم بأن هذا الإنسان الذي قد نشأ بينهم يمكن أن يكون أعظم من أي واحد منهم . كانت عقولهم لا تزال مسممة بفكرة أنه في حين ادعى أنه الشخص الموعود به فقد رفض أن يعدهم ضمن إسرائيل ، إذ برهن لهم أنهم أقل استحقاقا لرضى الله من الرجل الوثني والمرأة الأممية . لهذا فمع كونهم تساءلوا قائلين: “من أين لهذا هذه الحكمة والقوات؟” (متى 13 : 54)، فقد رفضوا قبوله كمسيح الله . فلعدم إيمانهم لم يقدر المخلص أن يصنع بينهم معجزات كثيرة ولم تُفتح لقبول بركته غير قلوب قليلة ، فبكل تردد رحل عنهم على ألا يعود إليهم . إن أهل الناصرة إذ أفسحوا المجال لعدم الإيمان مرة فقد ظل متحكماً فيهم . وهكذا تحكم في رجال السنهدريم والأمة كلها . فبالنسبة إلى الكهنة والشعب كان أول رفضهم لإعلان الروح القدس وإظهار قوته هو بداية النهاية . فلكي يبرهنوا على أنهم كانوا على صواب عندما رفضوه أول مرة ظلوا يماحكون في كلام المسيح بعد ذلك . إن رفضهم لروح الله كانت نهايته صليب جلجثة وخراب مدينتهم وتشتت الأمة كلها في كل أنحاء الأرض. ML 215.1