الصراع العظيم

5/424

قلوب متحجرة

ومع انهم وضعوا عليه شراً بدل خير وبغضاً بدل حبه ( مزمور ١٠٩ : ٥) فقد ظل دائباً في القيام برسالته، ر سالة الرحمة . ولم يطرد ابداً انساناً طلب نعمته. واذ كان يجول من مكان الى آخر لا يجد مبيتاً يأوي اليه، ولما كان نصيبه العار والفقر عاش لكي يخدم حاجات الناس ويخفف ويلاتهم متوسلاً اليهم ان يقبلوا هبة الحياة . فامواج الرحمة التي صد تها تلك القلوب المتحجرة بعيداً عنها عادت اليهم بقوة اشفاق ومحبة لا يمكن التعبير عنهما. لكن أمة اسرائيل ارتدت عن اخلص صديق واعظم معين . وقد ازدروا بتوسلات محبته ورفضوا مشوراته وسخروا من انذاراته. GC 24.3

كانت ساعة الرجاء والغفران موشكة ع لى الانقضاء،وكأس غضب الله المؤجل طويلاً كادت تمتلىء،والغيمة التي ظلت تتجمع مدى اجيال العصيان والتمرد،وقد صارت سوداء جداً تنذر بالويل والثبور،كانت توشك ان تنفجر على تلك الأمة الآثمة . وذاك الذي كان يستطيع وحده ان يخلصهم من المصير المرعب المحيق بهم احتق ر وأهين ورُفض،ولسوف يُصلب بعد قليل . وحين يعلق المسيح على صليب جلجثة فان يوم اسرائيل كأمة منعم عليها ومباركة من الله سيكون قد انقضى .ان هلاك نفس واحدة هو كارثة تصغر امامها كل ارباح العالم وكنوزه . ولكن اذ نظر المسيح الى اورشليم تمثل امامه هلاك مدينة كبيرة واسعة وأمة برمتها — وهي المدينة نفسها والأمة نفسها التي كانت قبلاً مختارة من الله و كنزه الخاص. GC 25.1

بكى الانبياء بسبب ردة اسرائيل والدمار المخيف الذي حل بهم . وتمنى ارميا لو تكون عيناه ينبوع دموع لكي يبكي نهاراً وليلاً قتلى بنت شعبه حزناً على اذاً فكم كان عظيماً حزن ذاك (ارميا ٩ : ١ ؛ ١٣ : ١٧). قطيع الرب الذي اخذ اسيراً الذي شملت نظرته النبوية لا سنين فقط بل دهوراً ! لقد رأى الملاك المهلك مجرداً سيفه على تلك المدينة التي ظلت مسكنا للرب حقبة طويلة من الزمن . ومن فوق قمة جبل الزيتون، وهي البقعة نفسها التي احتلها تيطس وجيشه بعد ذلك، نظر السيد عبر الوادي الى ديار الهيكل وأروقته المقدسة فرأى بعينيه المغرورقتين بالدموع منظراً مخيفاً سيحدث في المستقبل، رأى الاسوار محاطة بجيوش الغرباء وسمع وقع اقدام تلك الجيوش المصطفة للحرب،وسمع أصوات الأمهات والاولاد يصرخون في طلب الخبز في داخل اسوار المدينة المحاصرة، ورأى هيكلها المقدس الجميل وقصورها وابراجها وقد اشتعلت فيها النار ولم يبق منها غير الاطلال المحترقة. GC 25.2