الصراع العظيم

95/424

يصل الى ورمس

ولدى وصوله الى ورمس تجمَّع قوم كثيرون للترحيب به . ان الامبراطور نفسه لم يُستقبل بمثل ذلك الاستقبال العظيم . كان الاهتياج عظيماً، ومن وسط ذلك الجمع ارتفع صوت مجلجل حزين منذرا لوثر بالمصير الذي ينتظره . فلما نزل من عربته قال: ”ان الله سيكون حصني“. GC 170.1

لم يكن البابويون يصدقون أن لوثر سيجيء الى ورمس مخاطرا بحياته، ولذلك فقد ملأهم مجيئه ذعر ا. وفي الحال استدعى الامبراطور مشيريه ليتداولوا معا في ما يجب عليهم أن يفعلوه، واذا بأسقف عنيف قاس من البابويين يعلن قائلا للامبراطور: ”لقد تباحثنا في هذه المسألة طويلا فالافضل أن تتخلص من هذا الرجل في الحال يا صاحب الجلالة . ألم يأمر سجسموند بحرق هس ؟ اننا لسنا ملزمين باعطاء رجلٍ هرطوقي صك أمان أو الاعتراف بذلك الصك“. لكنّ الامبراطور قال: ”كلا بل علينا ان نحافظ على وعدنا“ (٩٢) ولذلك فقد تقرر أن يُعطى المصلح فرصة للكلام. GC 170.2

كانت المدينة كلها مشتاقة لرؤىة هذا الرجل العظيم، فامتلأ الجناح الذي كان لوثر يقيم فيه بجم ع كبير من الزوار . ولم يكن لوثر قد أبلَّ تماما من مرضه الاخير، كما كان متعبا من سفره الطويل الذي استغرق اسبوعين كاملين، وكان عليه أن يتأهب لمواجهة الاحداث الجسيمة التي تنتظره في الغد، فكان في حاجة الى السكون والراحة، لكنّ شوق الناس الى رؤيته كان عظيما بحيث لم يكن لديه غير ساعات قليلة من الراحة . واذا بالنبلاء والفرسان والكهنة والمواطنين يتجمهرون حوله بشوق عظيم . كان بين هذا الجمع كثيرون من النبلاء الذين بكل جرأة طلبوا من الامبراطور ان يجري اصلاحا للاضرار التي احدثها رجال الاكليروس، والذين، كما قال لوثر، ”قد تح رروا جميعا بواسطة بشارتي“ (٩٣). وقد أقبل الاعداء والاصدقاء على السواء لرؤية هذا الراهب الجريء، لكنه استقبلهم جميعا بهدوء وثبات، وكان يحييهم جميعا بوقار وحكمة . وقد دلت هيئته على الثبات والشجاعة . وان وجهه الشاحب النحيل، الذي بانت فيه آثار الاجهاد والمرض، كانت تبدو عليه سيماء الايناس والفرح . والجلال والغيرة العظيمة اللذان امتازت بهما أقواله اكسباه قوة لم يستطع حتى أعداؤه أن يصمدوا أمامها تمام ا. فامتلأ اصدقاؤه واعداؤه دهشة . وقد اقتنع بعضهم بأن قوة الهية تسنده، بينما آخرون قالوا ما ق اله الفريسيون عن المسيح: ”به شيطان“. GC 170.3

وفي اليوم التالي دُعي لوثر لحضور المجلس . وقد تعين على ضابط من حرس الامبراطور أن يقوده الى قاعة الاجتماع . ومع ذلك لاقى صعوبة كبيرة في الوصول الى المكان . فلقد ازدحم كل شارع وطريق بجماهير المتفرجين المشتاقين لرؤية ذلك الراهب الذي تجرأ على تحدي سلطان روما. GC 171.1

واذ كان موشكا على المثول أمام قضاته تقدم اليه احد قواد الجيش العظام، الذي كان بطلا مغوارا في كثير من المعارك، وقال له بكل رفق: ”أيها الراهب المسكين انك على أهبة ان تقف موقفا أشرف وأكرم وأنبل من كل المواقف التي وقفتها أنا وكل القادة في أعنف معاركنا الدموية . فان كانت قضيتك عادلة وكنتَ واثقا من ذلك فسر الى الامام باسم الله ولا تخش شيئا، فالله لن يتركك“ (٩٤). GC 171.2