الصراع العظيم

46/424

ارسال المصلح الى اوروبا

دُعي ويكلف مرة اخرى للدفاع عن التاج البريطاني ضد اعتداءات روم ا. فاذ كان قد عُين سفيرا لمليكه وبلاده في الاراضي الواطئة قضى عامين يتفاوض مع مندوبي البابا، وفيما هو هناك اتصل برجال الدين في فرنسا وايطاليا واسبانيا، فكانت له فرصة ان ينظر الى الصورة الخلفية للاشياء وان يعرف امورا كثيرة كان يمكن ان تظل خافية على الشعب في انجلتر ا. تعلم اشياء كثيرة انتفع بها في جهوده التي بذلها فيما بعد . وقد عرف من ممثلي البلاط البابوي هؤلاء الصفة الحقيقية للحكومة البابوية واهدافه ا. وعاد الى انجلترا ليردد تعاليمه السالفة بأكثر مجاهرة وغيرة معلنا ان الجشع والكبرياء والخداع هي آلهة روما. GC 95.1

وفي معرض كلامه عن البابا وجامعي ضرائبه في احدى النبذ قال: ”انهم يستنزفون من بلادنا اقوات الفقراء ، وآلافا عديدة من الماركات من خزانة الملك لاجل ذبيحة القداس والامور الروحية التي هي زندقة ملعونة، اذ انها متاجرة بالرتب الكهنوتية، وهذا يجعل العالم المسيحي يرضى بهذه الهرطقة ويتمسك بها. وحقا انه لو كان في بلادنا جبل كبير من أكوام الذهب، ولم يأخذ أحد منه شيئا باستثناء جامع ضرائب الكهنة المتجبر هذا، فبمرور الزمن لن يعود لهذا الذهب وجود، لأنه يأخذ الاموال من بلادنا ولا يعطينا بدلا منها غير لعنة الله على هذه السيمونية التي يحترفها“ (١١). GC 95.2

وحالما عاد ويكلف الى انجلترا عينه الملك على ابروشية لترورث . وقد كان هذا تأكيدا على ان الملك، على الاقل، لم يكن مستاء من صراحته في الكلام . وقد ظهر نفوذ ويكلف في تشكيل البلاط وفي صوغ معتقدات الامة. GC 96.1

وسرعان ما انهالت عليه رعود الباب ا. فلقد أرسلت ثلاث براءات بابوية الى انجلترا، الى الجامعة والملك والاساقفة، وفي كل منها يأمر الباب ا باتخاذ الاجراءات السريعة الحاسمة لاسكات ناشر الهرطقة (انظر التذييل ). وقبلما وصلت براءات البابا كان الاساقفة، في غيرتهم، قد استدعوا ويكلف لادانته . لكنّ اثنين من أقوى امراء المملكة رافقاه الى المحكمة، كما ان الناس الذين تجمعوا حولها واندفعوا الى داخلها أوقع وا الرعب في قلوب القضاة فتوقفت اجراءاتهم موقتا وسُمح لويكلف ان يمضي في طريقه بسلام . وبعد ذلك بقليل مات الملك ادوارد الثالث الذي حاول الاساقفة في اثناء شيخوخته ان يثيروه ضد ذلك المصلح، وتولى الحكم ظهير ويكلف ونصيره السابق كنائب عن الملك في حكم المملكة. GC 96.2

الا ان توالي ورود براءات البابا اوجب على انجلترا ان تقوم كلها بعمل حاسم بالقبض على ذلك الهرطوقي وطرحه في السجن، وكان الغرض من تلك الاجراءات ان يُحرق بالنار . وقد بدا مؤكدا ان ويكلف لا بد ان يسقط سريعا فريسة لانتقام روما. لكنّ ذاك الذي كان قد أعلن لاحد القديسين قائلا: ”لا تخف ... انا ترس لك“ (تكوين ١٥ : ١) مد يده مرة اخرى لحماية خادمه، فجاء الموت لا ليهجم على المصلح بل ليقضي على البابا الذي امر بقتله . فلقد مات البابا غريغوريوس الحادي عشر فتشتت شمل رجال الدين الذين أتوا لمحاكمة ويكلف. GC 96.3

لكنّ عناية الله سيطرت على الاح داث التي جرت بعد ذلك لكي تتيح الفرصة لنمو الاصلاح وازدهاره . فقد تبع موتَ غريغوريوس اختيار أثنين من البابوات متنافسَين. فكان هناك قوتان متناحرتان كل منهما معترف بها انها معصومة، وكل منهما كانت تطالب الناس بالطاعة (انظر التذييل ). وكل من هذين البابوين استنجد بالامناء لمعاونته في اثارة الحرب ضد الآخر، وكان يرغم الناس على اطاعة اوامره بالحروم التي كان يقذفها في وجوه خصومه، والوعد بالجزاء الصالح في السماء لانصاره . فكان هذا الحادث من العوامل التي أدت الى اضعاف سلطة البابا الى حد كبير . ولقد بذل الحزبان المتنافسان ق صارى جهدهما لمهاجمة احدهما الآخر، فاستراح ويكلف بعض الوقت . كان كل من البابَويْن يرشق الآخر بالحروم والمهاترات، وسالت الدماء كالانهار ليثبت كل من الاثنين حقه، فغمرت الكنيسة سيول من الجرائم والوشايات . وفي اثناء ذلك كان المصلح وهو في معتكفه الهادئ في ابروشية لترورث يسعى جاهدا الى تحويل انظار الشعب عن ذينك البابوين المتناحرين الى يسوع رئيس السلام. GC 96.4

مهد ذلك الانشقاق الذي حدث، بكل ما نجم عنه من نزاع وفساد، الطريق للاصلاح اذ اعطى الناس فكرة صحيحة عن حقيقة البابوية . وفي احدى النبذ التي نشرها ويكلف وكان موضوعها ”انشقاق بين البابوات“ طلب من الشعب أن يتأملوا في ما اذا لم يكن هذان البابوان قد نطقا بالصدق حين حكم كل منهما على الآخر بانه ضد المسيح (المسيح الدجال ). ثم قال: ”ان الله لم يسمح للشيطان ان يملك على كاهن واحد بل أحدث الانقسام بين الاثنين حتى يمكن للشعب باسم المسيح أن ينتصروا على كليهما بسهولة اعظم“ (١٢). GC 97.1

بشر ويكلف، كسيده، المساكين . ولم يكتف بنشر النور في مساكنهم المتواضعة في ابروشيته في لترورث، بل عقد العزم على أن يحمله الى كل انحاء انجلترا. ولكي ينجز هذا العمل نظم هيئة من المبشرين البسطاء الاتقياء ا لذين كانوا يحبون الحق ويرغبون كل الرغبة في نشره . فخرج هؤلاء الرجال الى كل الاماكن يعلِّمون الناس في الاسواق وشوارع المدن العظيمة وفي الارياف، في الدروب والازقة وفي القرى . وكانوا يبحثون عن الاشياخ والمرضى والمساكين ويخبرونهم ببشارة نعمة الله المفرحة. GC 97.2