الصراع العظيم

316/424

رحمة الله العظيمة

لكنّ الله في رحمته العظيمة احتمل لوسيفر وصبر عليه طويلا . فلم يحطَّه عن مركزه السامي حالما داخله روح التذمر ولا حتى عندما بدأ يتشدق بادعاءاته الكاذبة أمام الملائكة المخلصين . فلقد أبقي في السماء طويلا . وقُدِّم له الغفران مرة بعد الاخرى على شرط التوبة والخضوع . ومثل هذه المساعي التي لا يمكن أن تبتكرها غير المحبة المحدودة والحكمة الالهية كان القصد منها اقناعه بخطئه . ان روح التذمر لم يسبق ان عرفتها السماء . ولم يكن لوسيفر نفسه يعرف في البدء الى أين كان منساقا كما لم يدرك طبيعة مشاعر ه على حقيقتها. ولكن بعد أن تبرهن انه لا يوجد مبرر لتبرمه اقتنع لوسيفر بخطئه، وان مطالب الله عادلة، وان عليه أن يعترف أمام كل سكان السماء بعدالتها، فلو فعل هذا لأنقذ نفسه وأنقذ كثيرين من الملائكة . لم يكن الى ذلك الحين قد طرح عنه الولاء لله كلية، ومع أنه قد ترك مركزه كالكروب المظلل فلو أنه كان راغبا في الرجوع الى الله معترفا بحكمة الخالق وقانعا بأن يشغل المركز المعين له في تدبير الله العظيم لكان قد تثبت في وظيفته. لكنّ كبرياءه منعته من الخضوع . وبكل اصرار دافع عن مس لكه وقال انه في غير حاجة الى التوبة وسلم نفسه تمام ليخوض غمار الصراع العظيم ضد صانعه. GC 539.3

وقد اتجهت كل قوى عقله الجبار الآن الى علم الخداع ليظفر بعطف الملائكة الذين كانوا تحت امرته . وحتى حقيقة كون المسيح قد سبق فأنذره ونصحه أُفسدت بحيث تخدم نواياه الخائنة . وقد صوَّر الشيطان للملائكة الذين كانوا يحبونه ويثقون به أكثر من غيرهم أنه قد حُكم عليه ظلما وأن مركزه لم يُحترم وأن حريته ستغفل ويُستغنى عنه ا. ثم انتقل من تحريف أقوال المسيح الى المراوغة والكذب الصريح المباشر اذ اتهم ابن الله بأنه يقصد اذلاله أمام ساكني السماء . وقد حاول أيضا أن يربك الملائكة الامناء بضربه على وتر كاذب فاتهم الذين لم ينجح في اغوائهم وجذبهم الى طرقه بعدم الاكتراث لمصالح الخلائق السماوية . والعمل نفسه الذي كان يقوم هو به ألقى تبعته على الذين ظلوا أمناء لله . ولكي يدعم اتهامه الله بأنه قد ظلمه لجأ الى تحريف أقوال الخالق وتشويه أعماله . لقد كانت سياسته أن يربك الملائكة بحجج ماكرة بخصوص مقاصد الله . وكل ما كان بسيطا لفَّه هو في ستار من الغموض، وبتحريفه الماكر ألقى ظلال الشك على أبسط أقوال الرب . وكان مركزه السامي ذو الارتباط الوثيق بتدبيرات الله قد أَضفى قوة أعظم على ما صوره فأغوي كثيرون على الانضمام اليه في التمرد على سلطان السماء . GC 540.1