الصراع العظيم

279/424

قيام قوة جديدة

عند هذا الحد يُقدَّم الينا رمز آخر، اذ يقول النبي: ”ثم رأيت وحشا آخر طالعا من الارض وكان له قرنان شبه خروف“ (العدد ١١). ان منظر هذا الوحش والطريقة التي بها طلع تدلان على ان الامة التي يرم ز اليها تختلف عن تلك التي تقدمها الرموز السابقة . فالممالك العظيمة التي حكمت في العالم ظهرت لدانيال النبي بصورة وحوش مفترسة طالعة عندما هجمت ”اربع رياح السماء“ على ”البحر الكبير“ (دانيال ٧ : ٢). وفي الاصحاح السابع عشر من سفر الرؤيا فسر احد الملائكة المياه كرمز الى ”شعوب وجموع وأمم وألسنة“ (رؤيا ١٧ : ١٥). والرياح رمز الى النزاع والحرب . وهجوم أربع رياح السماء على البحر الكبير يرمز الى المناظر المرعبة، مناظر الغزو والثورات التي بواسطتها وصلت الممالك الى قمة السطوة والسلطان. GC 480.2

لكنّ الوحش الشبيه بالخروف رؤي ”خارجا من الارض“. فبدلا من ان يهدم قوات اخرى ليثبِّت نفسه وسلطانه فالامة التي يرمز اليها الخروف ينبغي ان تطلع في اقليم لم يحتله احد من قبل وتنمو تدريجا في سلام . اذاً فلم يكن يمكنها ان تطلع بين القوميات المزدحمة المتصارعة في العالم القديم، ذلك البحر الهائج الثائر ”بالشعوب والجموع والامم والالسنة“، بل ينبغي البحث عنه في القارة الغربية. GC 480.3

فما هي تلك الامة التي في الدنيا الجديدة التي اخذت في عام ١٧٩٨ تتقوى وتحصل على سلطان وتبشر بالقوة والعظمة وتجتذب انتباه العالم؟ ان تطبيق الرموز لا يعطي مجالا للتساؤل . ان امة واحدة من دون سواها هي التي تنطبق عليها تحديدات هذه النبوة التي تشير اشارة صائبة لا تخطئ الى الولايات المتحدة الامريكية . فمرارا عديدة استخدم الخطباء والمؤرخون على نحو لا شعوري فكر كاتب الوحي بل غالبا كلماته نفسها لوصف نشوء هذه الامة ونموها. لقد رؤي الو حش ”طالعا من الارض“، وحسب ما يقوله النقلة، نجد ان معنى كلمة ”طالعا“ الحرفي هو ”ان ينبت او ينمو كالنبات“. فتلك الامة كما قد رأينا كان ينبغي ان تنمو في اقليم لم يسكنه احد من قبل . ان كاتبا شهيرا يصف قيام الولايات المتحدة ويقول عن ”سر انبثاقها من الفراغ“ (٣٤٥): ”كبذرة ساكنة نمونا حتى صرنا امبراطورية“. وفي عام ١٨٥٠ كتبت صحيفة اوروبية عن الولايات المتحدة انها امبراطورية مدهشة كانت ”طالعة“، ”وفي وسط سكون الارض كانت كل يوم تزيد من قوتها وكبريائها“ (٣٤٦). وفي خطاب القاه ادوارد ايفريت عن المهاجرين الذين انش أوا هذه الامة قال: ”هل كانوا يبحثون عن بقعة هادئة غير موحشة بسبب احتجابها، وآمنة في بعدها حيث كان يمكن ان تتمتع كنيسة ليدن الصغيرة بحرية الضمير ؟ انظروا الاقاليم العظيمة التي رفعوا عليها راية الصليب بالغزو السلمي...!“ (٣٤٧). GC 481.1

”وله قرنان شبه خروف“. ان القرنين الشبيهين بقرني الخروف يدلان على الشباب والبراءة والرقة واللطف، وهو وصف يناسب ان يكون رمزا لصفة الولايات المتحدة عندما رآها النبي ”طالعة“ في عام ١٧٩٨ . فلقد وُجد بين المنفيين من المسيحيين ، الذين كانوا في طليعة من هربوا الى امريكا وطلبوا ملجأ يلوذون به من طغيان الملوك وتعصب رجال الكهنوت، كثيرون ممن عقدوا العزم على إقامة حكومة على اساس رحب من الحرية المدنية والدينية. وقد وجدت آراؤهم مجالا لها في اعلان الاستقلال الذي يقرر الحقيقة العظمى وهي ان ”جميع الناس مخلوقون سواسية“ ولهم اعطي حق غير قابل للتصرف في ”الحياة والحرية والسعي في اثر السعادة“. والدستور يضمن للشعب حق الحكم الذاتي على شرط ان الممثلين الذين يختارهم الشعب بطريقة التصويت يسنون القوانين ويطبقونه ا. كما قد منحت للجميع ايضا حرية العقيدة الدينية فسمح لكل انسان بأن يع بد الله بموجب ما يمليه عليه ضميره. وقد صار النظام الجمهوري والعقيدة البروتستانتية من مبادئ الامة الاساسية. وهذه المبادئ هي سر قوتها ونجاحه ا. فلقد يمم المضطهدون والمسحوقون في كل انحاء العالم المسيحي صوب هذه البلاد باهتمام ورجاء . وقصد شواطئ هذه القارة ا لجديدة ملايين من الناس فنهضت الولايات المتحدة الى مركز مرموق بين اقوى امم الارض. GC 481.2

لكنّ الوحش الذي كان ”له قرنان شبه خروف“ كان يتكلم كتنين ويعمل بكل سلطان الوحش الاول امامه ويجعل الارض والساكنين فيها يسجدون للوحش الاول الذي شفي جرحه المميت ... قائلا للساكني ن على الارض ان يصنعوا صورة للحوش الذي كان به جرح السيف وعاش“ (رؤيا ١٣ : ١١ — ١٤). GC 482.1