الصراع العظيم

240/424

انذار الى الكنيسة

ان رسالة الملاك الاول المذكورة في سفر الرؤيا الاصحاح الرابع عشر والتي فيها يعلن عن ساعة دينونة الله ويدعو الناس الى أن يخافوا الله ويسجدوا له كان المقصود بها أن تفصل الشعب المعترف بولائه لله بعيداً عن تأثيرات العالم المفسدة، وتوقظهم لمعرفة حالتهم الحقيقية، حالة محبة العالم والارتداد . ففي هذه الرسالة ارسل الله الى الكنيسة انذارا، ولو قُبل هذا الانذار لكان كفيلا باصلاح الشرور التي كانت تباعد بينهم وبين الله . وهم لو قبلوا تلك ا لرسالة الآتية من السماء واتضعت قلوبهم أمام الرب وطلبوا بكل اخلاص أن يستعدوا للوقوف في حضرته لظهر روح الله وقدرته في وسطهم . وكان في وسع الكنيسة أن تعود من جديد الى تلك الحالة المباركة، حالة الوحدة والايمان والمحبة التي سادتها في عصر الرسل عندما قيل عن المؤمنين انه كان لهم ”قلب واحد ونفس واحدة“ و ”كانوا يتكلمون بكلام الله بمجاهرة“ ،”وكان الرب كل يوم يضم الى الكنيسة الذين يخلصون“ (أعمال ٤ : ٣٢ و ٣١ ؛ ٢ : ٤٧). GC 419.2

ولو أن الشعب المعترف بالله يقبل النور الذي يشرق لهم من كلمته لكانوا يصلون الى تلك الوحد ة التي قد صلى المسيح في طلبها، والتي يصفها الرسول بأنها: ”وحدانية الروح برباط السلام“. ثم يقول: ”جسد واحد وروح واحد كما دُعيتم أيضا في رجاء دعوتكم الواحد . رب واحد ايمان واحد معمودية واحدة“ (أفسس ٤ : ٣ — ٥). GC 419.3

مثل هذه كانت النتائج المباركة التي اختبرها اولئك الذين قبلوا رسالة المجيء. لقد أتوا من طوائف مختلفة، وقد نقضت حواجزهم الطائفية الى الارض، وتطايرت العقائد المتضاربة فصارت ذرات . وهجر الناس الرجاء غير الكتابي في عصر ذهبي مادي زمني . كما أصلحت الآراء الكاذبة الخاصة بالمجيء الثاني، واكتسحت الكب رياء ومجاراة العالم، وأصلحت الأخطاء، واتحدت القلوب في أجمل واعذب شركة . وصارت للمحبة والفرح السيادة العظمى . فاذا كانت هذه العقيدة قد حققت هذا كله للاقلية الذين قبلوها فلا بد أنها كفيلة بأن تحقق هذا ايضا لكل من يقبلونها. GC 420.1

لكنّ الكنائس عموما لم تقبل الانذار . فان خدامها بوصفهم ”رقباء على بيت اسرائيل“ وكان ينبغي لهم أن يكونوا أول من يميزون علامات مجيء يسوع، اخفقوا في فهم الحق من شهادة الانبياء ومن علامات الازمنة . فاذ امتلأ القلب بالآمال والمطامع الدنيوية فترت المحبة لله والايمان بكلمته، فعندما قدمت رسالة المجيء أثارت تعصبهم وعدم ايمانهم . ان واقع كون الذين كرزوا بهذه العقيدة كانت غالبيتهم من العلمانيين استخدم ضده ا. لقد قوبلت شهادة كلمة الله الصريحة كم في القديم بهذا السؤال: ”ألعل احدا من الرؤساء أو من الفريسيين آمن به“ (يوحنا ٧ : ٤٨)، واذ ايقنوا صعوبة تفنيدالبراهين المقتبسة من الفترات المذكورة في كتب الانبياء ثبطوا همم الكثيرين حتى لا يدرسوا النبوات، اذ علموهم أن الاسفار النبوية مختومة ولا يمكن فهمه ا. ولما كان كثيرون من الناس واثقين بخدامهم ثقة كاملة رفضوا الاصغاء الى الانذار، بينما آخرون مع اقت ناعهم بالحق لم يجرؤوا على الاعتراف به لئلا ”يخرجوا من المجمع“. ان الرسالة التي بعثها الله لاختبار الكنيسة وتطهيرها كشفت بكل تأكيد عن كثرة عدد من ثبتوا محبة قلوبهم على هذا العالم بدلا من أن يحبوا المسيح . فالاواصر التي ربطتهم بالارض كانت أقوى من الدوافع التي جذبتهم الى السماء . لقد اختاروا الاصغاء الى صوت الحكمة الدنيوية وابتعدوا عن رسالة الحق الفاحصة للقلب. GC 420.2

واذ رفضوا انذار الملاك الاول رفضوا الوسيلة التي قد اعدتها السماء لردهم . لقد رفضوا رسول الرحمة وطردوه، ذلك الرسول الذي كان يستطيع أن يصلح الشرور التي فصلتهم عن الله، وبشوق عظيم ارتدوا ينشدون صداقة العالم . كان هذا هو سبب حالة محبة العالم المخيفة والارتداد والموت الروحي الذي حل بالكنائس في عام ١٨٤٤ . GC 421.1

اننا نجد في الاصحاح الرابع عشر من سفر الرؤيا ان الملاك الاول يتبعه ملاك آخر يعلن قائلا: ”سقطت سقطت بابل المدينة العظيمة لأنها سقت جميع الامم من خمر غضب زناها“ (رؤيا ١٤ : ٨). ان كلمة ”بابل“ معناها بلبلة أو ارتباك . وهي تستعمل في الكتاب المقدس لتحدد وتعين الاشكال المختلفة لدين الارتداد الكاذب . وفي رؤيا ١٧ نجد أن بابل ممثلة بهيئة امرأة، وهذا رمز يستخدم في الكتاب ليشير إلى الكنيسة، فالمرأة الفاضلة ترمز الى الكنيسة الطاهرة، أما المرأة الشريرة الفاسدة فترمز الى الكنيسة المرتدة. GC 421.2

وفي الكتاب المقدس نجد أن الصفة المقدسة الدائمة للعلاقة الكائنة بين المسيح والكنيسة ممثلة في الارتباط بالزواج . لقد اقترن الرب بشعب ه وضمه الى نفسه بعهد مقدس، فمن ناحيته يعدهم بأن يكون لهم الهاً وهم من ناحيتهم يتعهدون بأن يكونوا خاصة له وحده . وهو يعلن قائلا: ”وأخطبك لنفسي الى الابد وأخطبك لنفسي بالعدل والحق والاحسان والمراحم“ (هوشع ٢ : ١٩). ومرة اخرى يقول: ”لأني سُدت عليكم [أي تزوج تكم]“ (ارميا ٣ : ١٤). واستخدم الرسول بولس التشبيه ذاته في العهد الجديد اذ قال: ”خطبتكم لرجل واحد لاقدم عذراء عفيفة للمسيح“ (٢ كورنثوس ١١ : ٢). GC 421.3

ان عدم أمانة الكنيسة للمسيح، اذ حولت ثقتها وعواطف محبتها عنه وسمحت لمحبة أمور العالم أن تحتل النفس، شبيه بتدني س عهد الزواج . وخطيئة اسرائيل في تركهم للرب ينظر اليها بالمنظار نفسه . فمحبة الله العجيبة التي ازدروها الى هذا الحد صوِّرَتْ على نحو مؤثر اذ يقول الله: ”حلفت لكِ ودخلت معكِ في عهد يقول السيد الرب فصرتِ لي“. ”وجملت جدا جدا فصلحتِ لمملكة. وخرج لكِ اسم في الامم لجمالك لأنه كان كاملا ببهائي الذي جعلته عليك... فاتكلتِ على جمالك وزنيتِ على اسمك“. ”حقا انه كما تخون المرأة قرينها هكذا خنتموني يا بيت اسرائيل يقول الرب“. ”أيتها الزوجة الفاسقة تأخذ اجنبيين مكان زوجها“ (حزقيال ١٦ : ٨ و ١٣ — ١٥ ؛ ارميا ٣: ٢٠ ؛ حزقيال ١٦ : ٣٢). GC 421.4

واننا نجد في العهد الجديد كلاما قريب الشبه جدا بهذا موجها الى المسيحيين المعترفين بالمسيح الذين يطلبون صداقة العالم من دون رضى الله. يقول الرسول يعقوب: ”أيها الزناة والزواني أما تعلمون أن محبة العالم عداوة لله فمن أراد أن يكون محبا للعالم فقد صار عدوا لله“ (يعقوب ٤ : ٤). GC 422.1