الصراع العظيم

216/424

النهاية تأتي بغتة

والمسيح يعلن أن عدم الايمان نفسه سيتناول مجيئه الثاني . فكما أن الناس في أيام نوح ”لم يعلموا حتى جاء الطوفان وأخذ الجميع“، ”كذلك“ — كما يقول مخلصنا — ”يكون أيضا مجيء ابن الانسان“ (متى ٢٤ : ٣٩). فعندما يتحد المعترفون بأنهم شعب الله مع العالم، ويعيشون كما يعيش اولئك ويشاركونهم في مسراتهم المحرمة، وعندما يصير ترف العالم سائدا في الكنيسة، وعندما تدق أجراس أفراح الزواج، والجميع ينتظرون مجيء سنوات طويلة من النجاح العالمي، حينئذ يفاجأون بانتهاء أحلامهم البراقة وزوال رجائهم الخادع كما يظهر البرق من السماء. GC 377.1

وكما أرسل الله عبده لينذر العالم بمجيء الطوفان ك ذلك أرسل أناسا مختارين ليعلنوا للناس عن قرب الدينونة الاخيرة . وكما سخر معاصرو نوح من تنبؤات ذلك الكارز بالبر فكذلك في أيام ميلر سخر به الناس وهزأوا بأقواله، ومن بينهم من يَدعون أنفسهم شعب الله. GC 377.2

ولكن لماذا لم ترحب الكنائس بعقيدة المجيء الثاني والكرازة بها؟ ان مجيء الرب وان كان يسبِّب للاشرار الويل والدمار فانه بالنسبة الى الابرار مفعم بالفرح والرجاء. فهذا الحق العظيم كان مبعث عزاء لشعب الله الامناء مدى العصور، اذاً فلماذا صار كمبدعه ”حجر صدمة وصخرة عثرة“ لشعبه ؟ ان الرب نفسه هو الذي وعد تلاميذه قائلا: ”ان مضيت وأعددت لكم مكانا آتي أيضا وآخذكم اليَّ“ (يوحنا ١٤ : ٣). والمخلص الرحيم هو الذي اذ لاحظ وحشة تابعيه وحزنهم أرسل ملاكين ليعزياهم بيقين كونه سيأتي ثانية هو بنفسه كما انطلق عنهم الى السماء. واذ ظل التلاميذ شاخصين باهتمام الى فوق ليلقوا نظرة الوداع على ذاك الذي أحبوه استرعت هذه الكلمات انتباههم: ”أيها الرجال الجليلون ما بالكم واقفين تنظرون الى السماء. ان يسوع هذا الذي ارتفع عنكم الى السماء سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقا الى السماء“ (أعمال ١ : ١١). وقد أضرمت رسالة الملاكي ن هذه، الرجاء في قلوبهم مجدد اً. ان التلاميذ ”رجعوا الى أورشليم بفرح عظيم . وكانوا كل حين في الهيكل يسبحون ويباركون الله“ (لوقا ٢٤ : ٥٢ و ٥٣). انهم لم يفرحوا لان يسوع قد انفصل عنهم بينما تُركوا هم ليكافحوا ضد تجارب العالم واغراءاته، بل لان الملاكين قد أكد ا لهم أنه سيأتي ثانية. GC 377.3

ان المناداة بالمجيء الثاني للمسيح ينبغي أن تكون الآن كما كانت رسالة الملائكة لرعاة بيت لحم بشرى بفرح عظيم . ومن يحبون المخلص بالحق لا يسعهم الا أن يُحيُّوا بفرح الاعلان المبني على كلمة الله : ان ذاك الذي فيه تتركز آمالهم في الحياة الا بدية آتٍ ثانية لا ليهان ويُحتقر ويرفض كما في مجيئه الاول، بل بقوة ومجد عظيم ليفدي شعبه . أما الذين لا يحبون المخلص فيرغبون في أن يظل بعيدا، ولا يمكن أن يكون هنالك برهان جازم على أن الكنائس قد انحرفت عن الله كهذا الاهتياج والعداء اللذين بهما تقابل رسالة السماء هذه. GC 378.1

ان من قد قبلوا تعليم المجيء الثاني تنبهوا الى ضرورة التوبة والتذلل أمام الله . وكثيرون ظلوا طويلا يترجّحون بين المسيح والعالم، أما الآن فقد أحسوا بأنه قد حان الوقت الذي فيه يقفون موقفا حاسما الى جانب واحد من الاثنين . ”ان الاشياء الخاصة بالابدية اتخذت في نظرهم هيئة الحقيقة الملموسة على نحو غير عادي . لقد قربت السماء منهم فأحسوا بأنهم مذنبون أمام الله“ (٣٠٧). لقد أُنهض المسيحيون الى حياة روحية جديدة . وصاروا يحسون بأن الوقت قصير، وأن ما يجب عليهم أن يعملوه لاجل بني جنسهم ينبغي لهم عمله بسرعة . وتقلصت الارض وصغرت في نظرهم، وبدا كأن الابدية تنفتح أمامهم . وشعروا بأن النفس وكل ما يتعلق بخيرها أو شقائها الابدي تتضاءل وتصغر أمامها كل الاغراض المادية . لقد استقر عليهم روح الله ومنحهم قوة بها يقدمون توسلاتهم الحارة الى أخو تهم والى كل الخطأة حتى يستعدوا ليوم الرب . ان شهادة حياتهم اليومية الصامتة كانت توبيخا دائما لاعضاء الكنائس المتمسكين بالطقوس وغير المكرسين . هؤلاء وأمثالهم لم يريدوا أن يزعجهم أحد أو يوقفهم عن اتباع مسراتهم أو أنشغالهم في جمع المال والطموح في طلب الكرامة الع المية. ومن هنا نشأت العداوة والمقاومة التي أثيرت ضد عقيدة المجيئيين وكل من أذاعوها. GC 378.2

واذ وجد أن الحجج المستقاة من الفترات النبوية منيعة ولا يمكن التغلب عليها حاول مقاوموها أن يثبطوا الهمم عن البحث والفحص في هذا الموضوع بقولهم أن النبوات قد ختمت . وهكذا سار البروتستانت في أثر خطوات البابويين. ففي حين أن الكنيسة البابوية تمنع وصول الكتاب (انظر التذييل) الى أيدي الشعب، ادعت الكنائس البروتستانتية أن جزءا هاما من الكتب المقدسة — ولا سيما الجزء الذي يكشف لنا عن الحقائق التي تنطبق على عصرنا الحاضر — لا يمكن ادراكها. GC 379.1

لقد أعلن الخدام والشعب أن نبوات دانيال والرؤيا أسرار لا تفهم ولا تدرك. لكنّ المسيح وجه انتباه تلاميذه الى أقوال دانيال النبي عن الحوادث التي كانت مزمعة أن تقع في أيامهم وقال: ”ليفهم القارئ“ (متى ٢٤ : ١٥). أما التصريح بأن سفر الرؤيا سر لا يمكن فهمه فهو قول ينقضه عنوان ذلك السفر نفسه: ”اعلان يسوع المسيح الذي أعطاه اياه الله ليري عبيده ما لا بد أن يكون عن قريب... طوبى للذي يقرأ وللذين يسمعون أقوال النبوة ويحفظون ما هو مكتوب فيها لان الوقت قريب“ ( رؤيا ١ : ١ — ٣). GC 379.2