الصراع العظيم

17/424

مشهد مرعب

يقول ملمان في كتابه المسمى تاريخ اليهود،المجلد السادس عشر: ”لقد وجد تيطس انه يستحيل عليه ان يوقف غضب جنوده عند حده، فدخل في صحبة ضباطه وعاين ذلك ا لهيكل المقدس من الداخل . وقد ملأهم جلاله وبهاؤه دهشة، واذ لم تكن النيران قد نفذت الى القدس بذل تيطس آخر جهد لانقاذه، فوثب الى الأمام وأمر جنوده مرة أخرى ان يوقفوا تقدم الحريق . وقد حاول ليبراليس قائد المئة ان يرغم الجنود على الطاعة اذ أبرز قضيب رتبته امامهم، ولكن حتى إحترام الامبراطور سقط أمام حقد الرو مان الشديد على اليهود، مما زاد من هول المعركة، ومن النهم الى السلب والنهب . وقد رأى الجنود كل ما حولهم يتلألأ في بريق الذهب الذي كان يخطف الابصار بلمعانه على ضوء اللهيب المشتعل، فظنوا ان كنوزاً لا تحصى مخبوءة في المقدس. واذ بجندي لم يلحظه احد يدخل ويقذف بمشعل ملتهب من فتحة في الباب، فاشتعلت فوراً النار في كل البناء . واضطر الجنود ان يتراجعوا امام وهج النار والدخان الذي كاد يعميهم، وهكذا ترك ذلك البناء الفخم الى مصيره. GC 38.2

”كان منظرا مرعباً للرومان، فما عساه يكون لليهود ! كل قمة التل المشرف على المدينة اشتعلت كالبركان . وقد انهارت وتهدمت المباني واحد في اثر الآخر بصوت تحطيم هائل، فابتلعتها الهوة المشتعلة بالنار . والسقوف المصنوعة من خشب الارز كانت تشبه الواحاً من اللهب . والابراج المموهة بالذهب اضاءت في هيئة حراب من النور الاحمر . والابراج المقامة على الأبواب قذفت الى أعلى أعمدة من اللهب والدخان، فأنار ذلك الحريق التلال المجاورة . وكانت توجد جماعات من الناس ملتحفة بالظلام ترقب في جذع عظيم تقدم النار والخراب . وامتلأت الاسوار والمرتفعات بوجوه بعضها شاحب من فرط اليأس، والبعض الآخر جَهِم لعدم جدوى الانتقام. هذا وان صيحات جنود الرومان وهم يروحون ويجيئون، وزعقات الثوار الذين كانت تلتهمهم النيران اختلطت بحسيس الحريق وازيز الاخشاب الم حترقة المتساقطة كهزيم الرعد . وقد رددت الجبال صدى نشيج الشعب من فوق المرتفعات . وعلى طول الاسوار كان يُسمع الجؤار والعويل والضوضاء . والناس الذين كانوا موشكين على الموت جوعاً استجمعوا ما تبقى في اجسامهم من قوة ليطلقوا صرخات حزن وعذاب. GC 39.1

”كانت المذبحة التي في الداخل اشد ولاً من المنظر في الخارج . فالرجال والنساء، والكبار والصغار، والثوار والكهنة، والذين كانوا يحاربون والذين كانوا يتوسلون ويسترحمون ... الجميع قتلوا بحد السيف في مذبحة عامة بلا تمييز . وكان عدد القتلى يربو على عدد قاتليهم . وكان على جنود الرومان ان يتسلقوا فوق اكوام جثث القتلى ليقتلوا الاحياء الباقين“ (٢). GC 40.1

وبعد خراب الهيكل سقطت المدينة كلها في ايدي الرومان . وقد هجر رؤساء اليهود الابراج المنيعة فوجدهم تيط س منفردين، فتفرس فيهم في ذهول وأعلن لهم ان الله قد اسلمهم اليه، لان آلات الحصار، مهما بلغت فعاليتها، كانت عاجزة عن دك تلك التحصينات الهائلة . ان المدينة والهيكل قد قُوِّضا كلاهما حتى اساساتهم ا. والارض التي كان ذلك البيت المقدس مقاماً عليها ”تفلح كحقل“ ( ارميا ٢٦ : ١٨). وفي الحصار والمذبحة التي تلت ذلك هلك اكثر من مليون نفس من الشعب، والذين بقوا احياء اقتيدوا اسرى او بيعوا عبيداً او سيقوا الى روما ليزينوا موكب احتفال القائد الفاتح،او طرحوا للوحو ش في المدّرجات الرومانية أو تشتتوا وهاموا على وجوههم كجوَّابين لا وطن لهم في كل بلدان العالم. GC 40.2