الصراع العظيم

162/424

الميثودست يلاقون الصعاب

تلقى الميثودست الذين عاشوا في تلك الأيام الخوالي — سواء، في ذلك، الشعب والخدام — الهزء والاضطهاد من أعضاء الكنائس ومن المجاهرين بزندقتهم وعدم تدينهم الذين ألهبهم سود تصويرهم وتحريفهم . لقد اشتُكي عليهم في محاكم العدل التي لم يكن فيها عدل، لأن العدالة كانت نادرة الوجود في محاكم تلك الأيام . وفي غا لب الأحيان كانوا يلاقون ظلما على أيدي مضطهديهم . وكان الرعاع ينتقلون من بيت الي بيت يحطمون الاثاث والبضائع وينهبون ما يروقهم، وبكل وحشية يمتهنون كرامة الرجال والنساء والاطفال . وفي بعض الحالات كانت تلصق بعض الاعلانات التي تدعو كل من يرغبون في تحطيم نوافذ بيوت الميثودست ونهب ما في تلك البيوت الى الاجتماع في مكان وزمان يحدَّدان لهم . وهذه الاعتداءات العلنية على كرامة الشرائع الانسانية والالهية سُمح بارتكابها من دون أن يوبخ مرتكبوه ا. وقد وقع اضطهاد منظم ضد الشعب الذ ي كانت غلطته الوحيدة ابعاد الخطأة عن طريق الهلاك وهدايتهم الى طريق القداسة. GC 289.2

وقد تحدث جون وسلي عن التهم الموجهة اليه والى زملائه، فقال: ”بعض الناس يدَّعون أن تعاليم هؤلاء الرجال كاذبة ومخطئة وحماسية، وأنها تعاليم جديدة لم يُسمع به ا الا من عهد قريب، وأنها خاصة بمذهب الكويكرز (الاصدقاء) يعتنقها قوم متعصبون بابويون . لكنّ هذا الادعاء كله اقتلع من أصوله حيث قد تبرهن على مدى واسع أن كل فرع من هذا التعليم هو تعليم الكتاب المقدس الصريح كما تفسره كنيستن ا. ولذلك فلا يمكن أن يكون تعليما كاذبا ولا مخطئا على شرط أن يكون الكتاب المقدس صادقا“. ثم قال: ”وآخرون يدعون قائلين ”ان عقيدتهم دقيقة أكثر من اللازم . وهم يجعلون الطريق الى السماء أضيق وأكرب مما يجب“. وهذا هو في الحق الا عتراض الاصلي (كما كان هو الاعتراض الوحيد بعض الوقت)، وهو في السر أساس آلاف الاعتراضات الاخرى التي تبدو في أشكال مختلفة . ولكن هل هم يجعلون طريق السماء أضيق مما جعله ربنا ورسله ؟ وهل عقيدتهم وتعاليمهم أدق مما هي في الكتاب المقدس ؟ تأملوا فقط في بعض الآىات القليلة الواضحة، ”تحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك ومن كل فكرك“ . ”لأن كل كلمة بطالة يتكلم بها الناس سوف يعطون عنها حساباً يوم الدين“. ”وفان أكلتم أو شربتم أو فعلتم شيئاً فافعلوا كل شيء لمجد الله“. GC 290.1

”فان كانت عقيدتهم أدق من هذه فاللوم عليهم، لكنّ ضمائركم تعلم أنها ليست كذلك . ومن ذا الذي يكون أقل دقة في شيء صغير من دون أن يفسد كلمة الله ؟ وهل يمكن ان من هو وكيل على سرائر الله يحسب أمينا لو أنه غيَّر جزءا من تلك الوديعة المقدسة ؟ كلا . انه لا يستطيع أن يلغي شيئا، ولا أن يثلم حدّ شيء، بل هو ملزم بأن يعلن قائلا للناس : ”انه غير مسموح لي أن أنزل بكلمة الله لتوافق ذوقكم بل عليكم أن ترتقوا أنتم اليها و الا هلكتم الى الأبد“. هذا هو الاساس الصحيح لتلك الصرخة الاخرى المألوفة عن ”جفاء هؤلاء الناس“. فهل هم جفاة حقاً، ومن أي وجهة هم جفاة ؟ ألا يطعمون الجياع ويكسون العراة ؟ ”كلا ليست هذه هي الحقيقة . انهم ليسوا ناقصين في هذا، ولكنه م جفاة جدا لكونهم يدينون الناس ! فهم يظنون أنه لا يستطيع أحد أن يخلص ما لم ينتمِ الى طريقتهم“ (٢٣٤). GC 291.1

ان الانحطاط الروحي الذي ظهر في انجلترا قبيل أيام وسلي كان الى حد كبير نتيجة للتعليم الانتينومي . لقد أكد كثيرون أن المس يح قد ألغى الشريعة الادبية ولذلك فالمسيحيون ليسوا ملزمين بحفظها، وأن المؤمن قد تحرر من ”عبودية الاعمال الصالحة“. وهنالك قوم آخرون مع أنهم يسلمون بدوام الشريعة أعلنوا أنه ليس من اللازم للخدام أن يوصوا الشعب باطاعة وصاياها، لأن أولئك الذين أختارهم الله للخلاص ”سينقادون بواسطة تحريضات النعمة الالهية التي لا تقاوم الى ممارسة التقوى والفضيلة“، بينما أولئك المحكوم عليهم بالطرد بعيدا من الله الى الابد ”لن تكون لهم القوة على حفظ الشريعة الالهية“. GC 291.2

وهنالك آخرون ممن اعتقدوا ”أن المختارين لن يكون في وسعهم أن يسقطوا من النعمة ولا أن يخسروا حقهم في رضى الله، هؤلاء وصلوا الى الاستنتاج الاكثر شناعة وهو أن ” الاعمال الشريرة التي يرتكبونها ليست خاطئة في حقيقتها ولا تعتبر أدلة على انتهاكهم شريعة الله ، وأنه ينتج من ذلك أنه لا يوجد ما يدعو الى أن يعترفوا بخطاياهم ولا الى التخلص منها بالتوبة“ (٢٣٥). ولذلك أعلنوا أنه حتى الخطيئة التي هي أخسُّ الخطايا وأرذلها، ”المعتبرة في نظر الجميع انتهاكاً شنيعاً لشريعة الله، لا تعتبر خطيئة في نظر الله“ لو كان مرتكبها واحدا من المختارين، لانه ”من بين الصفات الجوهرية المميزة للمختارين أنهم لا يستطيعون أن يفعلوا شيئا مغيظا لله أو تنهى عنه شريعته“. GC 291.3

هذه التعاليم الفظيعة شبيهة في جوهرها بالتعاليم التي علَّم بها في ما بعد المعلمون وأساتذة اللاهوت المشهورون — وهي أنه لا توجد شريعة الهية ثابتة كنموذج الصواب، ولكن نموذج الاخلاق يقرره المجتمع نفسه، وانه كان دائما عرضة للتغيير . كل هذه الآراء مصدرها الروح السائدة نفسها، روح ذاك الذي حتى وهو بين سكان السماء الذين بلا خطيئة بدأ عمله في نقض سياجات روادع شريعة الله. GC 292.1

أدت عقيدة علم الله المسبق بالسلوك البشري وتقرير الله مصير الناس منذ الأزل الى رفض حقيقي لشريعة الله . لكنّ وسلي قاوم بكل ثبات ضلالات المعلمين الانتينوميين، وبيَّن للناس أن هذا التعليم الذي قاد الناس الى اعتناق مذهب الانتينوميين مناقض لكل مة الله المقدسة . لقد ”ظهرت نعمة الله المخلصة لجميع الناس“، ”لأن هذا حسن ومقبول لدى مخلصنا الله الذي يريد أن جميع الناس يخلصون والى معرفة الحق يقبلون . لأنه يوجد اله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الانسان يسوع المسيح الذي بذل نفسه فدية لاجل الجميع“ (تيطس ٢ : ١١ ؛ ١ تيموثاوس ٢ : ٣ — ٦). ان روح الله يعطى مجانا للناس ليقدر كل انسان على التمسك بوسائط الخلاص . وهكذا المسيح ”النور الحقيقي الذي ينير كل انسان آتيا الى العالم“ (يوحنا ١ : ٩). ان الناس يقصرون عن نيل الخلاص بسبب اصرارهم على رفض هبة الحياة. GC 292.2